ليلة خطوبتي
اخبرتني والدتي أن دكتورا تقدم لخطبتي، رفضت الأمر مباشرة دون أدنى تفكير ..
أخبرتها أن الدكاترة لا يتقدمون لخطبة فتاة لم تتجاوز البكالوريا وأن عرضه هذا وراءه سببه خفي.. إما أنه مريض أو أنه زير نساء والأسوأ أنه يحاول استغلال ظروفي كون والدي متوفيا منذ سنوات وأني وحيدتك لا إخوة لي فلا تكوني طيبة كثيرا يا أمي فالسيئون كثيرون في الخارج.
لم تقتنع والدتي.. بل وبختني على كل العرسان الذين رفضتهم ولم أسمح لبعضهم بدخول البيت حتى..
فقد كنت دوما أجد لها عيبا في كل من يحاول التقدم وبذلك أتخلص منه بشكل نهائي..
كانت والدتي تحاول اقناعي بأنني بلغت الثلاثين ..ولا زلت أرفض لأسباب غريبة وهمية كما تسميها هي.. حتى توقفوا عن القدوم، لذا عزمت على استقبال الدكتور هذه المرة دون الإستماع لي، وهذا ما جعلني أفكر مليا في إيجاد ما يجعلها ترفضه، فكرت في ألف طريقة وطريقة، بحثت في النت عن “كيف تطردين عريسا من أول يوم” كنت كمن يجهز نفسه لحرب يريد الفوز فيها مهما كان الثمن غاليا.
لمحته من نافذة غرفتي يخطو بثبات نحو مدخل بيتنا مع بعض من أفراد أسرته، لفت انتباهي هندامه المتواضع وابتسامته الجميلة ومع ذلك بقيت مصرة على رفضي له.
اخبرتني والدتي أنه يطلب رؤيتي، وما إن دخلت غرفة الضيوف وجدته هناك بمفرده، ابتسم ونادى علي باسمي ولقبي، استغربت الأمر، فواصل كلامه فور جلوسي
_ أعلم أنك لا تتذكريني لكني أتذكرك!إمتحان البكالوريا، آخر قاعة في الرواق، الطاولة الثالثة جهة الباب، بكاؤك في كل الحصص!
كنت أحسب بداية أنك تبكين بسبب صعوبة الإمتحان، حتى أدركت أن والدك توفي في ذلك اليوم، فحزنت لأجلك..
فوالدتي متوفاة أيضا، شعرت بك فأنا يتيم مثلك، إنتظرت يوم إعلان النتائج بفارغ الصبر حتى أسعد بنجاحك لكني تحسرت حين لم أجده، خصوصا حين سمعت أنك كنت طالبة جيدة.
إنتظرتك بعدها كل عام في الجامعة كوننا درسنا التخصص نفسه، في المدرج، في حافلة نقل الطلبة، في القطار، في أي مكان، لكنك لم تأت..!
ومرت السنوات وتخرجت من الجامعة وأصبحت استاذا فيها، سألت عنك فسررت جدا لأنك لم تتزوجي بعد فقررت التقدم لخطبتك فقيل لي أنك ترفضين كل من تقدموا لك،استغربت فتمهلت ولم أحاول الإقتراب حتى أفهم سبب ذلك..
إلى أن لمحتك في مكان عمل صديقي فسألته، فقال انك أتيت بحثا عن عمل بأي راتب المهم يكفيك أنت ووالدتك المتعبة، حينها فهمت أنك المعيلة لها..لهذا لم تعود للدراسة،وإن تزوجت فلا أحد سيعيلها دونك، وأن كل من تقدموا لك رفضوا عرضك في الإهتمام بها أو ربما لم تتجرء على طلب ذلك بعد أن يئست منهم،..
فطلبت منه توفير عمل مناسب لك بينما قررت أنا جمع المال وشراء منزل يكفينا أنا وأنت وهي إن شاءت طبعا..
فتكون بذلك مثل والدتي التي فقدتها منذ سنوات، وبهذا لن تضطري للعمل مكان والدك ولن أكون أنا يتيما بعد اليوم بفضلك، فما رأيك؟
حدثت نفسي والدموع تنهمر من عيني: مضى وقت طويل لم أبكِ فيه أمام شخص غريب، فبعد وفاة والدي عزمت أن أكون قوية ولا أضعف أمام أحد ولا حتى أمام أمي.. فالعالم في الخارج لا يرحم..
لكن كلماته جعلتني أشعر أن والدي قد عاد إلى الحياة مجددا، إنه يمسك بيدي ويسندني حتى لا أقع، ..إنه بات من حقي اليوم البكاء مجددا كطفلة دون أن اشعر بالضعف أو الخجل!
حينها ابتسمت وسألته ” ماذا عن شروطك أنت!؟ ”
قال: شرطي الوحيد هو أنت!!
أنا أعرفك بما يكفي، أعرفك ربما أكثر من نفسك، أعرف ما يسعدك وما يبكيك،وأكيد أن صبري الطويل حتى أصل إليك كاف جدا ليخبرك أن قدومي إلى هنا يعني أني موافق عليك كيفما أنت …
#مختارات_الشارع_العربي