ألغاز طبية
يقول الدكتور أحمد خالد توفيق :
قبل أن ألتحق بكلية الطب كان هناك لغز يؤرقني في الأفلام العربية التي أراها
فما إن تشعر المرأة بآلام الولادة حتى تقول إحدى السيدات العجائز لصاحبتها أو يقول الطبيب : – ” قومي بتسخين الماء “
فتهرع المرأة إلى المطبخ لتغلي إناءاً كبيراً تحمله في حذر إلى غرفة الولادة وهنا ينغلق الباب في وجهنا فلا تعرف ما حدث بعد ذلك ..
كان عندي من الشجاعة الأدبية ما سمح لي بأن أسأل أمي عن استخدام الماء الساخن في الولادة ، فقالت في غموض : – ” هذه أمور نسائية لا تسأل عنها ..”
ثم كبرت نوعاً ما فوجدت كتاباً كتبه طبيب أمريكي
يبسط العلوم الطبية للقارىء ، واسم الكتاب هو (حتى يحضر الطبيب ) . يقول المؤلف في باب الولادة : ” لا داعي لتسخين الماء لأن هذا قد
يسبب حروقاً خطيرة لك أو الأم أو الجنين “
هذا ما قاله ولم يشرح استخدام هذا الماء .. أقصد الاستخدام الخاطيء الذي ينبغي أن نتوقف عنه ..
إذن الأمريكان يسخنون الماء كذلك ولسبب مجهول ..
دخلت كلية الطب إذن ، وانتظرت في صبر حتى درسنا الولادة .. كل شيء عن الولادة والأغشية التي تنفجر ودوران الرأس و .. و .. وكل شيء ..
وقد قمت بتوليد نساء كثيرات في بداية حياتي قبل أن أتخصص في الأمراض الباطنة ، لم يحدث قط أن
احتجت للماء الساخن ، ولم أر أي شخص يحتاج للماء الساخن أمامي .
لكنني فطنت بعد أن ابتعدت عن صرخات غرفة التوليد بعشر سنوات أنني لم أتلق الإجابة قط ..
لم أعرف ما يفعلونه بالماء الساخن في الأفلام .
هكذا انتحيت بأحد كبار أطباء التوليد جانباً وسألته عن سر الماء الساخن ، فاتسعت عيناه في ذهول وظل ينظر لي عاجزاً عن الكلام بضع ثوان ثم قال : – ” حقاً لا تعرف ؟ .. إنسان مثقف مثلك ، أو هذا ما كنت أحسبه ؟ .. أنت تمزح طبعاً .. لا يوجد تفسير عندي سوى أنك تمزح ..”
هنا انفجرت ضاحكاً وقلت له إنني كنت أمزح فعلاً .. عليه ألا يكون ساذجاً لهذا الحد .. هناك مشكلة مزمنة عندي هي أنني لا أبدو كمن يمزح عندما أمزح .
قال لي بلهجة جدية :
– ” أنصحك ألا تسأل أسئلة بلهاء كهذه وإلا ظنوا بعقلك الظنون !”
هكذا قضي الأمر وصار علي أن أبقى جاهلاً للأبد
ما دمت لا أملك شجاعة أن أبدو جاهلاً لنصف دقيقة ، وعلى كل حال قد كونت نظريتي الخاصة عن الموضوع .
د:أحمد توفيق #مختارات_الشارع_العربي