قصص من الواقع

فطوم النائحة الندابة

#قصةحقيقية
عملت في مقتبل العمر في بلاد الحبشة ( إثيوبيا)
بعد حرب أوغادين1977, القاسية بين الصومال والحبشة ،والتى تسببت بنزوح مئات الآلاف من اللاجئين ضمن الفريق الطبي التابع لمنظمة الصحة العالمية.
أقمنا في الأسابيع الأولى في مساكن مهجورة من الطين والقش..بانتظار بناء بيوت خشبية ومستشفيات ميدانية .
كانت لي جارةً تدعي ( فاطمة ) وتلفظ في السودان والحبشة ( فاطنه) سيدة سبعينيهً قصيرة القامة ضعيفة البنية .
كانت تخرج كل صباح من بيتها المصنوع من الطين وتجلس خارجًا على كرسي خشبية قديمة .
عملًا بوصية الوالدة والأنبياء نالها مني كل الإهتمام والحرص ,أقدم لها ما تحتاج من طعام وشراب والسجائر .
انتقلت لأيام إلى بلد آخر بعدما أوصيت العاملين معي بالإهتمام بها.
وحين عودتي لم ارها كعادتها ،ذهب بي الظن أنها غادرت إلى أقارب لها.
ولما طال غيابها, اضطررت أن أدخل مسكنها ! فلم أجد أحدا في الداخل ..
بعد ايام وعند الصباح وانا اغادر في طريقي للعمل رأيتها خارج مسكنها فرحت بعودتها .
سألتها عبر المترجم:
أين كنت كل هذه الايام ؟
أجابت ؛ ذهبت للعمل ،
وما هو عملك ؟
أجابت ؛ ( أكالاش ) وتعني (النائحه بالأجرة ) وهم من يبكون على الموتى !
قلت لها :
عرفت الآن سر انتظارك كل صباح ،لعلك تنتظرين موتي ، فأكون أحد الزبائن …
تأكدي أن من يعملون معي سوف يفرحهم موتي ! ولن يدفعوا لك مالًا كي تبكيني !
ردت بصوت خافت حزين كمواء قطه جائعة تحت المطر وأكاد ارى الدمع في عيناها الغائرتين في وجه متقشف
حزين يشبّه قلبي..
أنت من لا أتمنىٌ الموت له فمنذ مجئيكم وأنتم من يقدم لي الطعام والشراب والسجائر!ليس بالأمر السهل علي هذه المهنة ولست سعيدة بأن أعيش من “الموت ” !
غادرت تلك البلاد الحزينة بلاد الموت والحجارة ! تاركًا فاطمة ! على أمل أن لا يخذلها الموت !
فموت الأخرين حياة لجارتي الحبشية ( فاطنة )
د:رضوان بك موسى #الشارع_العربي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى