رياض فكر

ضجيج الأنا .

نعيش في زمن كله صراخ ، أينما ألتفت تجد أفواها مفتوحة عن أخرها ، و أكف منفرجة الأصابع جانب خدود مكفهرة غضبًا ، وجبين مقطب وصراخ يصم أذنيك.

من الطفل الصغير الذي غادر مهده ، إلى طاعن في السن يرتعش جوار لحده ، كل منهم يصرخ ، وأنت في وسط غابة من الأصوات .

توقف وأنصت ، دقق في هذا العويل ، الصراخ والضجيج ، تمعن في ما يقال ، ستجد ضمير الملكية هو صبغة كل شيء.
أنــا أنــا هذه الكلمة التي صرت أمقتها ، قالها فرعون ” أنا ربكم الأعلى ” وقالها إبليس حينما أعتد بعنصره ؛ أنا خير منه .
فكان مصير الأول ، غضب من الله ، فغرق في اليم ، ووعده الله بعذاب الحريق يوم القيامة ، وكان مصير الثاني الطرد من الرحمة ، وأن يمهل إلى اليوم الموعود ثم مثواه النار بئس الورد المورود .
ومع ذلك تجدنا ، نفعل مثلهم ونسير في ركبهم ، ونبرر لأنفسنا ونرفع صوتنا بـ الأنا ، كل يطالب بحقه ، وكل غير راضٕ عما قسم له .

الزوج وزوجه ، الفرع وأصله ، والأصل وعقبه. الصنو وصنوه و الجار وجاره.
ولأن سألت أحدهم هل أديت ما عليك كما يجب ، لأخرس لسانه وزاغ بصره.

يولد الطفل وحين يتعلم مفردات اللغة يتحدث بصيغة الغائب ، حتى يعلم معنى الأنا ، ويتذوق ضمير الملكية فيستهويه ، فيسيطر على مجمل حياته.
يسعى ليزيد دائرة ملكيته ويوسع أناه حتى تجتاح حدود من يشاركه مسرح الحياة ، تصبح همه وشغله الشاغل ومحور حياته ، يصرخ بها ولأجلها وينسى أن للآخر أناه…
يرى حقه ويتوسع فيه ، ويتغافل عن واجبه فيعلو صوته ليطمس صوت غيره، فلا تسمع إلا الضجيج.

ضجيج الأنا ……

د:سليمان_عمر#الشارع_العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى