النصف جنيه
في يوم كنت أركب سيارة مواصلات؛ ولم يكن لدي “فكة” فأخرجت خمسة جنيه وأعطيتها للشخص الذي يقوم بتجميع الأجرة في الكرسي بجواري؛ بعد قليل أرجع لي الباقي وكان اثنين جنيه ونصف؛ منهم نصف جنيه كان شكله غريبا؛ أسود ويبدو أنه قد داس عليه قطر أكثر من مرة!..
فنظرت إليه وابتسمت حين أخذته منه؛ صاحبنا الذي يقوم بجمع الأجرة رأني وأنا ابتسم؛ فقال لي: أنا ليس معي غيره صراحة؛ شكله لا يعجبك.. أعطه لي؛ وأنا سـ أفك بعض النقود من السائق وأعطيك غيره..
فأخبرته: لا ياعم ولا يهمك؛ تحدُث كثيرا.. بإصرار قال لي: هاته فقط؛ وسأعطيك غيره.. فقلت له مازحا: لا يهمك .. حصل خير؛ النصف جنيه الذي تراه هذا؛ أجمل من حياتي كلها!.. فابتسم لي وسكت ولم يرجع للكلام في هذا الموضوع؛ وأنا قمت بوضع النصف جنيه في جيب البنطلون الضيق وانشغلت بالطريق ونسيته..
فمَن سيقبله مني؟!
مرّت الأيام؛ ونزلت لشراء بعض الأشياء الخاصة بالجامعة حتي انتهت كل الفلوس التي أملكها؛ ولم آخذ بالي؛ وكنت أحتاج إلي أن أركب سيارتين أجره حتي أعود للبيت؛ أخرجت ما تبقي معي ساعتها وجمعته فـ لقيته وسبحان الله ناقص؛ نصف جنية بالضبط… فتضايقت جدا؛ لأنه لا يمكن أن أقوم بارجاع شيئا مما اشتريت؛ وثانيا لأنني هكذا سأضطر للسير مسافة طويلة؛ لأنه يتحتم عليّ ركوب سيارة واحدة فقط!
عقلي ساعتها استسلم للأمر الوقع وبدأ يفكر: أي سيارة من الاثنين ستقطع مسافة أكبر حتي اركبها؛ وامشي المسافة الثانية وأمري لله؛ وتحركت وأنا مخنوق جدا وأشوط الحجارة في الأرض لأنني لم أحسب أجرة الرجوع من البداية..
في الطريق قلت اجرب محاولة ثانية؛ وأفتّش جيوبي.. لربما أجد معي أي حاجة في جيوبي هنا أو هنا قد تساعد؛ انتهيت من التفتيش في جيوبي كلها وفجأة وأنا أمد يدي في جيب البنطلون الضيق؛ وجدت النصف جنيه الأسود! فنظرت له وضحكت لأنني نسيته ولم أكن أحسب حسابه نهائيا؛ وبداخلي كنت أقول يارب السائق يقبله.. وفعلا حين تم جمع الأجرة وراحت للسائق؛ لم يعترض عليه أو يتكلم حتي!..
وقتها فهمت؛ أن القدر له حسابات ثانية لكن عقلنا المحدود صعب أن يستوعبها.. وأنه أوقات كثيرة تدخل حياتنا حاجات نظن أنها خاطئة أو ليس لها أي لزوم؛ فنظل نعترض عليها ونتضايق منها.. ثم نكتشف في آخر الأمر أن لها وقتها الذي ستنقذنا فيه..
أحمد سلامة #الشارع_العربي