قصص من الواقع
قصة رائحة أبي
عشر مساطر على اليد كانت عقوبتي، حين صفعتُ زميلتي على وجهها، كوني فتاةً عنيفةً تفتقر للأدب، هذا ما قالته لي المعلّمة حينها، هي لم تستمع لي وأنا أبكي وأقول “ضربتها لأنّها قالت أن رائحتي كرائحة والدي.. كالقمامة”.
عدت إلى المنزل وحضنته بقوّة، شممتُ رائحته الجميلة بعمق وبكيت، تمنيت لو بمقدور العالم أجمع شمها، ليعرف كم هي عطرة وتشبه رياض الجنة…
والدي عامل النظافة،صاحب أجمل رائحة؛ هو أجمل بالقفازين الذين يرافقانه أينما ذهب، لينظف الحدائق والشوارع طوال النهار.. ثم يعود مساءً.. يستحم.. و يجلس بجانبي ليراجع لي ما يستطيع من دروسي قائلاً:
“مزيداً من الجهد يا طبيبة المُستقبل”.
بصمت دون ضجيج.. رحل والدي.. لكن رائحته لم ترحل.. بقيت عالقة في أنفي.. حتى القفازان المهترءان لا زالا في أول أدراج مكتبتي.. أضمهما كلما اشتقت إليه أشمهما كلما اختنقت من قذارة هذا العالم.
إثنا عشر عاماً تفصلني عن تلك الضربات على يدي، لأجلس اليوم وأستمع لأنين مريضتي، أقوم بفحصها وإعطائها الدواء المناسب، لتشكرني وهي تقول:
“لقد سمعت الكثير عنك، حقاً سمعتك سابقة “
أبتسم في وجهها وأقول: “ألم تعرفيني من رائحتي؟”
وترد: “لم أفهم، إعذريني؟”
فأجبتها: “يبدو أن حاسة الشم لديك قد ضعفت يا معلمتي الفاضلة، أنا إبنة عامل النظافة. رائحتي لازالت كرائحة والدي”.
#مختارات_الشارع_العربي
#مختارات_الشارع_العربي