حوار مع طفلة
فيما كنت أتحدث ذات مساء ،مع إبنة أختي التي لا أتذكر ملامحها جيدًا على أرض الواقع ، بل أذكر صور مبعثرة لها في الذاكرة وأخرى وصلتني عبر الهاتف ،حين أتحدث معها كل حين …
سألتني هاته الطفلة اللماحة سؤالا غريبا !!
قالت لي :
خالي أريد أن أدرس الطب مثلك ، و كم أود التخصص بالأمراض الجلدية ، حتى أعيد تشكيل البسمة و الفرح على وجوه الناس
سألتها لماذا إخترت بالخصوص هذا التخصص ؟
أجابتني:
إنك يا خالي حينما ترى وجوه الناس قد تجعدت رغم شبابهم ، و الهالات السوداء رسمت حدود عيونهم ، رغم أنهم لا يتعاطون أي مخدر ، وأجسادهم نحيلة دون أن يتبعوا أي حمية أو أي نظام غذائي.فتود لو أنك غيرت ملامحهم البئيسة إلى وجوه سعيدة يشع منها الفرح …
لكن هناك أمر أود البوح لك به يا خالي ، أريد طبًا بلا شوكة .
نعم قالت لي أريد أن أصبح طبيبة لكن لا أريد رؤية الدم .. فقد اكتفيت منه منذ أن بدأ إدراكي الأول بالتشكل ، فما أن بدأت أتعرف على هذه الدنيا حتى سمعت أصوات الإنفجارات ، وبدأت سلسلة الهروب من بيت إلى بيت…
إن حياتي منذ صغري أشبه بلعبة الدومينو يسقط بيت ، وأنتقل للآخر الذي لا يلبث أن يسقط ، لقد غيرت بيتي خلال عقد من الزمن بعدد سنينه ، ولا أذكر مدرستي الأولى ، وكذلك لم تعد ذاكرتي تقوى على تذكر ملامح مدرساتي …
ولا أخفيك يا خالي أنني خلال مسيرة دراستي فقدت وافتقدت العديد منهمن ، وفي عيد المعلم أشعل في الليل دزينة من الشموع ف على نافذتي، إحياءًا لذكراهم ، لأنني ببساطة لا أعلم هل دفنوا و أين دفنوا.. حتى أضع وردة على قبر كل واحدة منهن.
ثم تابعت ، وكذلك لا أريد أن أعطي أي مريض حقنة ، فقد نالت المحاقن من جسدي كثيرا بعد كل إنفجار نجونا منه ،..
و لا أريد أن أقف على منضدة التشريح ، فقد حفظت تشريح الجسم البشري لكثرة ما رأيت من أشلاء وتعرفت عليها .
ولا أود أن أخيط جروحا ، لأني اكتفيت من إخاطة جروح نفسي ، وجروح من حولي .
خالي هل تستطيع أن تدلني كيف السبيل لذلك .؟..
أطرقت حزينا وأخفيت دمعة هربت من بين أجفاني ، وشكرت الله أن الحديث كان هاتفيا حتى لا ترى مقدار ضعفي.
ثم قلت لها :
ربما ستكونين أقدر مني على تحمل ذلك ، ومؤكد أنك ستكونين أفضل مني في ممارسة هذه المهنة يومًا
لأنك صرت تعلمين معنى الألم أكثر مني .
#إن الألم جزء من الحياة و هو من يعطي للحياة معناها….
د : سليمان_عمر #الشارع_العربي