قصة عانس
تتسائل إحداهن :
كيف لي أن أفرح بعيد ميلادي الثامن والثلاثين ..وأنا لازلت عزباء لم أتزوج بعد ..؟
كم تمنيت أن أحظى برجل يكن لي الحب ، وأن أقيم عرسا أرتدي فيه الفستان الأبيض..أرقص برفقة عريسي وأصوات الزغاريد تعلو المكان.
لم يتحقق أي شيء من ذلك..، لا الفستان ولا الزواج فقط… عانس ..و نظرات الشفقة من الأهل والجيران حين يتمنون لي الزواج يوما ما…وهذا كان يزعجني لأنني قررت التعود على حالي والرضى بقدري الذي رضيت به …فنزعت فكرة الزواج من قاموس تفكيري وحياتي ..
لكن .. الزواج رفض أن يتركني …حين أخبرتني والدتي أن أحدهم توفيت زوجته منذ ستة أشهر ويطلبني للزواج ..
كم اشمأزت نفسي من رغبته في الزواج..كيف له أن ينسى زوجته بكل هذه السهولة ؟ويفكر في الزواج مرة أخرى بهاته السرعة، ولم يمض سوى بضعة أشهر على رحيل زوجته…؟
قررت الرفض ، لكن أمي فاجئتني أنهم سيزوروننا المساء و أنه يجب علي قبول العريس ..
حتى لو كان أرملا وله طفلان …
كم بكيت ليلتها وشعرت أنه لا حظ لي في هذه الدنيا، فكيف تعيش قريناتي قصص حب ويتزوجن مبكرا، بينما أحظى برجل أرمل وطفلان ليسا من صلبي..
استقبلتهم والدتي …ذاك المساء…و لمحتهم من نافذة غرفتي حين حضر العريس برفقة والدته العجوز وابنه الصغير الذي يبدو في الثالثة من عمره..،
قدمت لهم صينية القهوة والحزن يلتف حولي يقيدني عن الشعور بالفرح كأي فتاة في يوم خطبتها…
لم يكن حاله أفضل من حالي ، فالحزن في عيونه الذابلة ، ونظرته المنكسرة تخبرني كم هو حزين على فراق زوجته….
انسكب كوب الحليب فجأة على الصبي، اندفعت نحوه بعفوية في لحظة ارتباك من والده وجدته الطاعنة في السن….
لا أعلم لماذا شعرت بأني مسؤولة عنه لحظتها، أمسكت بكفه الصغيرة ودعوته إلى الحمام بغية تنظيف ثيابه، ابتسم والده وطلب منه أن يرافقتي..، حينها دخلت الحمام برفقته وما إن نزعت عنه قميصه حتى استقرت نظراتي على جرح في مرفقه، سألته:
_ ما بها يدك؟
أجابني ببراءة:
_ وقعت بالأمس من سلالم بيتنا.
_ وهل تؤلمك ؟
أومأ برأسه ليؤكد لي ألمه.
_ وهل أسعفك والدك؟
_ كلا ..كان في العمل.
_ وجدتك؟
_ هي مريضة، دوما مريضة ونائمة.
قلت في نفسي أنا كبيرة ولا أتحمل فكرة فراق أمي فكيف لك أن تتحملها يا صغيري!
دمعت عيناي لحاله، فسألته عن والدته إن كان يذكرها ؟
رفع من كتفيه في تصرف طفولي عفوي ثم أخبرني أنها في الجنة كما أخبره والده، وأنه سيجلب له اليوم والدة أخرى تهتم به وبأخته، ثم سألني بكل براءة:
_ هل انت هي أمي؟
لم أملك كلمات أجيبه بها سوى بضعة دموع وعناق اعتصرت فيه جسده الصغير بين ذراعي، ..
كم كان حضنه دافئا رغم صغر سنه!
جففت دموعي ثم سألته:
_ من يطعمك وينظف لك ويغير ملابسك، من يعتني بك؟
_ بابا
_ وهل طعامه لذيذ؟
_ لاااا طعامه سيء، لا أحبه.
ابتسمت من براءته والدموع تتلألأ في عيني، شعرت بما يعانيه والده دون زوجته،…
فهمت الٱن لماذا أراد الزواج بسرعة!… ليس من أجله بل من أجل أطفاله، فبعد أن بحث عن زوجة صالحة ، ..
اليوم يريد أما حنونا لأولاده …
قبلت الصغير بعدها و قدمت له قطعة حلوى، ثم رافقته إلى الصالة،..
اندفع حينها بقوة نحو والده ليخبره عن الحلوى التي بيده.
سأله والده:
_ من قدم لك الحلوى؟
نظر الصغير نحوي وأشار إلي:
_ العمة، قدمتها لي.
ابتسمتُ وأجبته بكل حب:
_ لست العمة، أنا ماما حياة
شعرت بالحياة تنبثق من عيون ذلك الرجل لحظة سماعه لذلك،..ولمحت في عينيه بريق السعادة والفرح عندما طلبت رؤية الصغيرة التي تقطن مع خالتها في الوقت الراهن بسبب عجزه عن الإعتناء بها…
بعد رحيلهم سألتني أمي عن سبب تغيير رأيي وموافقتي فأجبتها:
_ لطالما ظننت أن حظي سيء ، ونصيبي أقل من قريناتي ، لكنني أدركت اليوم أني حظيت بأكثر مما كنت أحلم!
نظرات ذلك الصغير لي وهو يبحث في عيني عن أم حنون تمسح حزنه بحبها …كانت السهم الذي غير كل شيء في حياتي ……
#سميحة_بولبروات #الشارع_العربي