مع من نتخاصم ؟
مع مَنْ أتخاصم ؟
مع جاري ؟الذي يرمقني بنظرة استصغار
أم مع زميلي في العمل؟ الذي يراكم عملنا المشترك على مكتبي ويتهرّب من الإنجاز
أم مع بائع الخضروات ؟الذي يريد أن يضع في الكيس أردأ نوعية رغم أنني أعطيه الثمن الذي يطلبه
أم مع سائق الحافلة؟
الذي يظهر كأنّه مراهق يتدرّب من جديد، من كثرة اهتزاز الحافلة بعشرات الركّاب
أم مع شرطي المرور؟
الذي يظهر لي وكأنه لم يَرَن، فيسمح للسيارات بالعبور وأنا إلى جانبه لا يشعر بوجودي
أم مع أستاذي في الكلّيّة ؟ يلقي محاضراته دون أن يفكّر في التبسيط والتوضيح
أم مع كثيرين من أبناء مدينتي أو قريتي أو بلدتي ؟
الحقيقة معركتي ليست مع أيّ من هؤلاء !
فهذه كلّها ظواهر عابرة، لا أعرف حقيقة نفوس أصحابها، ولا واقع أفعالهم معي، فكل نظراتي لهم جميعا سطحيّة
المعركة الأساسية هي مع نفسي !
مع فهمي لعالَمي الذي أعيش فيه !مع صبري الذي إبتعد عن قصد منّي,على أن أدّخر منه ما يكفيني للتعامل مع الآخرين وإذا بقيتُ على حالتي السابقة فربّما، وفي أيّ لحظة أدخل معركةً إذا انتصرتُ فيها فأنا الخاسرلأنها ليست معركتي ولا دخل لي فيها ..معركتي مع الإنجاز الذي أخططه لنفسي في حياتي فأنا عندي هدف وغاية,وعندي وسائل مدروسة ومحدّدة
ولا أقبل بأن يحرفني أحد عن طريقي ,وإذا صادفتني أزمة ما، لا سمح الله,أحرف طريقي قليلا لكي أخرج من الأزمة
ثمّ أعود إليه متابعا..
علينا أن ننتبه
فكثيرون انحرفوا عن أهدافهم السامية, بسبب دخولهم معارك هامشيّة طارئة حُشِروا فيها حشرا
أو استجاب غرورهم لخوضها, وهي لا تعني لهم شيئا في حياتهم , ثمّ ندموا في وقت لم يعد ينفع الندم
علينا أنّ نتحلّى بالصبر,وأن نوسّع ساحات مداركنا لمظاهر الآخرين الذين هم حولناونأخذ هنا مثالا واحدا كي لا يطول الحديث
جاري، الذي نظر إليّ نظرةً سلبية , ربّما لم يكن ينظر إليّ أساسا , ربّما كانت همومه هي التي تقوده , أو ظروفه الشخصيّة هي التي تتحكّم به , فلماذا أفهم أنّه ينظر إليّ دون غيري؟وماذا سيحصل لي إن أنا تجاوزتُ نظرته وسرتُ في طريقي .
من كلّ مظاهر الناس وظواهرهم أخرج بنتيجة:وهي أن أبتسم دائما لجاري ولكلّ من هم حولي, وأن أقدّر ظروف السائق وشرطيّ المرور وسائق الحافلة , فعندهم أسبابهم
وأنا لستُ محور الحياة عندهم حتى يتركوا كل شيء ويتفرّغوا لي,
يكفيني أن أفكّر وأقتنع بأنّني لستُ سوى خليّة واحدة ضمن مجتمع كامل, والإهتمام بالجسد العامّ هو الأساس الذي يعني أنّ كلّ خلاياه ستعيش عيشة رغيدة ..ومنها أنا..
محمد بن يوسف كرزون **الشارع العربي **